بسم الله
تقديم :نصت المادة 88 من المرسوم 76/63 المؤرخ في 25/03/1976 المتضمن تأسيس السجل العقاري على أنه { لا يمكن القيام بأي إجراء للإشهار في المحافظة العقارية في حالة عدم وجود إشهار مسبق أو مقارن للعقد أو القرار القضائي أو لشهادة الانتقال عن طريق الوفاة، يثبت حق المتصرف أو صاحب الحق الأخير .....} و بذلك يكون المحافظ العقاري قد قيد بقاعدة الشهر المسبق، أو بوجود الأصل الثابت في مجموعة البطاقات العقارية تثبت صفة المتصرف الأخير تحت طائلة عدم إمكانية إجراء الشهر و لو كان مندرجا ضمن الملاك المتعاقبين على العين، و هذا ما يعرف بقاعدة الأثر الإضافي أو النسبي للشهر و نظرا لأن بعض الدعاوى يهدف إلى إحداث أثر على معلومات البطاقة العقارية بطريقة أو بأخرى فقد ألزم المشرع رافعها بأن شهرها كقيد مسبق يرتب آثارا من الأهمية التطرق إلى ما هي الحالات المستلزمة لإعمال القيد و آثار ذلك؟.
المبحث الأول الحالات الموجبة لشهر عريضة الدعوى العقارية من واجهة نظر القانون و القضاء
إن أهم طرح يثور قبل مناقشة ما دون العنوان الحالي يتعلق أساسا بمسألة الاختصاص من النوعي لتقويم فكرة جواز الإدعاء حول موضوع عقاري أمام القسم المدني للمحكمة أو غيره و مصير الدعوى من الناحيتين، فمن ناحية هي دعوى مدنية فلا يصدق عليها مبدأ وجوب الشهر المطبق على الدعوى العقارية وحدها، و من ناحية ثانية مدى إمكانية القضاء بعدم الاختصاص بشأنها، ناهيك عن الأثر الذي لعم تساوى قدر رسوم التسجيل بينهما ......
كان موقف المحكمة العليا من ذلك بقرارها رقم 197336 المؤرخ في 16/06/1998 المنشورة في مجلة الاجتهاد القضائي لغرفة الأحوال الشخصية، عددها الخاص سنة 2001، الصفحة 285 واضحا لـمّا رأت بأن الفرع العقاري و فرع الأحوال الشخصية يعودان معا إلى القسم المدني الذي يحكمهُ إجراءات واحدة، و أن تقسيمهما هو مجرد تنظيم داخلي لاختصاص واحد كما قضت به الغرفة العقارية بقرارها رقم 204318 المؤرخ في 31/01/2001، و حسبها فإن { إنشاء فروع عقارية على مستوى المحاكم مجرد تنظيم داخلي لأقسام المحاكم استناد إلى القرار الوزاري المؤرخ في 01/04/1994 المتمم للقرار المؤرخ في 25/09/1990 الذي يحدد اختصاص المحكمة العقارية – لا مجال للدفع بعدم الاختصاص النوعي المنصوص عليه بالمادة 93 ق إ م } و لكن زاوية نظر القضاء إلى الاختصاص لا تعفي، و لا تتعارض و وجوب شهر العريضة الافتتاحية لبعض الدعاوى العينية العقارية على أية حال، تطبيقا للمرسوم 76/63 المؤرخ في 25/03/1976 المتعلق بتأسيس السجل العقاري
فما هي هذه الدعاوى؟
المطلب الأولالدعاوى الواجبة الشهر بالمحافظة العقارية
الدعوى القضائية العقارية التي يتوقف قبولها على إجراء الشهر بالمحافظة العقارية
يلجأ البعض إلى إدخال المحافظة العقارية في الخصام طبقا للمادة 94 من قانون الإجراءات المدنية و ذلك من زاوية إعلامها بميلاد أو وجود دعوى تتعلق بعقار مشهر لديها، إلا أن ذلك لا يؤدي الغرض المرغوب طالما أن المادة 85 من المرسوم 76/63 المؤرخ في 25/03/1976 المتعلق بتأسيس السجل العقاري تغطي ذلك بنصها على أن { دعاوى القضاء الرامية إلى النطق بفسخ أو إبطال أو إلغاء أو نقض حقوق ناتجة عن الوثائق تم إشهارها لا يمكن قبولها إلا إذا تم إشهارها مسبقا طبقا للمادة 14/4 من الأمر 75/74 المؤرخ في 12/11/1975 و المتضمن إعداد مسح الأراضي العام و تأسيس السجل العقاري و إذا تم إثبات هذا الإشهار بموجب شهادة من المحافظ العقاري،أو تقديم نسخة من الطلب الموجود عليه تأشير الإشهار}
فأجازت التبرير بشهادة محصلة من المحافظ العقاري التابع له مكان العقار، كما يجوز أيضا مجرد تأشيرة بقيام الشهر على ذيل العريضة، المفتتحة للنزاعات الدائرة فقط حول:
1.الفســـخ:
مع مراعاة إرادتي الطرفين المتعاقدين أوجب المشروع لكي يركب العقد آثاره إذا كان تبادليا أن يفي كلا منهما التزاماته، و إلا جاز للطرف الذي لم يتلق الالتزام المقابل أن يلجأ إلى دعوى الفسخ، و استراد الملكية و الحيازة المادية للعقار ورد أقساط الثمن التي استلمها إن كان التسديد قد حصل بالتقسيط، و يجري ذلك في ظل أحد النصين إما المادة 8 من قانون الإجراءات المدنية أو المادة 9 منه, ذلك لأن الأمر يتعلق بالحق في الفسخ لعدم استلام الثمن من المشتري و هو ما يمكن إخضاع الاختصاص المحلي فيه لمحكمة موطن المدعى عليه، و بالإضافة إلى ذلك جواز رفعها أمام القسم العقاري للمحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها العقار لاتصال الأمر بحق عيني يدور حول استرداد ملكية العين.
و تطبيق الاختصاص من منظور المادة 9 من قانون الإجراءات المدنية يتمثل في اعتبار هذه الدعاوى مختلطة لأنها شخصية من جهة و كذلك عينية عقارية من جهة أخرى .
2
.الإبطـــال :لقد رتب المشرّع عن تخلف أحد أركان العقد البطلان المطلق له، و على تخلف أحد شروطه البطلان النسبي الذي جعله في مكنة من له مصلحة في إثارته و من هذا الباب, إذا تعلق العقد بعقار تعين شهر العريضة الافتتاحية المتضمنة المطالبة بترتيب أثر البطلان تحت طائلة الرفض
3. الإلغــاء :
و يقصد بذلك جملة الدعاوى المنصة حول إعدام الأثر الذي رتبته القرارات الإدارية المكسبة للملكية، كالقرارات الصادرة في إطار التنازل عن الأملاك العقارية التابعة للدولة في ظل القانون 81/01 المؤرخ في 07/02/1981 و هي قرارات تندرج ضمن مراحل انتقال الملكية للعقار الذي تعينه بالمحافظة العقارية.
4
. النقــــض :يعتبر العقد شريعة المتعاقدين, و مع ذلك فقد أفاد المشرع أطرافه بحماية مطلقة في حالة الغبن الذي يتجاوز الخمس, و جسد ذلك في إطار نص المادة 732 من القانون المدني التي تجيز { نقض القسمة الودية الحاصلة بالتراضي إذا أثبت أحد المتقاسمين أنه لحقه منها غبن يزيد عن الخمس, على أن تكون العبرة بقيمة الشيء وقت القسمة, و يجب أن ترفع الدعوى خلال السنة التالية للقسمة, و للمدعى عليه أن يوقف سيرها و يمنع القسمة من جديد إذا أكمل للمدعي نقدا أو عينا ما نقص من حصته}
و نظرا لأن المشرع اختار في مجال المحافظة العقارية و السجل العقاري النظام العيني و ليس النظام الشخصي فإن الدعاوي المتصلة بالحقوق العينية وحدها هي التي تعنيها المادة 85 من المرسوم 76/63 المؤرخ في 25/03/1976 المتعلق بتأسيس السجل العقاري .
و ترتيبا على ذلك لا يشترط إجراء الشهر بشأن الدعاوى الهادفة إلى الأخذ بالشفعة لأن الأمر يتعلق هنا بحلول الشفيع محل المشتري, و ليس بالبيانات الخاصة بالعقار أو ما ترتب عنه من حقوق عينية, و هو ذاته القرار الذي خلصت إليه المحكمة العليا بتاريخ 26/04/2000 تحت رقم 437194 م ق 2000 عدد 1 ص 159, الذي ورد فيه ما يلي:
{حيث أن قضاة المجلس أسسوا قضاءهم برفض دعوى الطاعنة شكلا لكون أن هذه الأخيرة لم تقم بإشهار عريضتها طبقا للمادة 85 من المرسوم 76/63 المؤرخ في 25/03/1976 المعدل بالمرسوم التنفيذي رقم 93/123 المؤرخ في 19/05/1993 إلا أنه بالرجوع إلى أحكام هذه المادة يتضح أنها تخص الدعاوى القضائية الرامية إلى النطق بفسخ أو إبطال أو إلغاء أو نقض حقوق ناتجة عن وثائق تم إشهارها .
و الحال أن دعوى الطاعنة تتعلق بالأخذ بالشفعة..... و هي دعوى خصها المشرّع بأحكام خاصة و حدد شروط ممارستها فلا تدخل بالتالي ضمن الدعاوى المذكورة على سبيل الحصر في المادة 85 المذكورة أعلاه.
و حيث فضلا عن ذلك فإن المشرع و في مجال المحافظة العقارية و السجل العقاري إنما اختار النظام العيني لا الشخصي، و من هنا فإن حلول الشفيع محل المشتري في حق تثبيت حق الشفعة ليس من طبيعته التأثير على العقد المشهر ذاته من حيث البيانات الخاصة بالعقار أو الحقوق العينية المترتبة عنه كما هو الشأن بالنسبة للدعاوى التي خصتها بالذكر المادة 85 المشار إليها أعلاه }.
المطلب الثانيتخلف إجراء شهر الدعاوى القضائية من واجهة نظر القضاء:
لقد ترك صدور المرسوم 76/63 أثرا بالغا على مصير الدعاوى العقارية غير المشهرة , إذ انقسم رأي القضاء بشأنه قسمين:
1-
الاتجاه المساير لفحوى المرسوم 76/63 :و يتجسد فيما ذهب إليه مجلس الدولة في عديد القرارات الصادرة عنه, إذ استلزم التطبيق الحرفي للمرسوم فيما يتعلق منها بترتيب عدم القبول لتخلف الشهر تطبيقا للمادة: 85 منه التي أورد صريح نصها { أن دعاوى القضاء الرامية إلى النطق بفسخ أو إبطال أو إلغاء أو نقض حقوق ناتجة عن وثائق ثم إشهارها لا يمكن قبولها .....} و ذلك على سبيل المثال لا الحصر ما تضمنه قراره رقم 024 203 المؤرخ في 12/06/2000 إذ اعتبر {....... الدعاوى العقارية و الإدارية المتعلقة بعقار و الرامية إلى إبطال العقود المشهرة بالمحافظة العقارية تشترط المادة 85 من المرسوم 76/63 المؤرخ في 25/03/1976 المعدل بالمرسوم رقم 93/123 المؤرخ في 19/05/1993 لقبول الدعوى شهر العريضة الافتتاحية مسبقا لدى المحافظة العقارية المشهر لديها العقد, و هو شرط لقبول الدعوى }
بالإضافة إلى القرار رقم 184931 المؤرخ في 27/03/2000 الصادرة عن الغرفة الرابعة لمجلس الدولة الذي جاء فيه {....أنه بالرجوع إلى العريضة الافتتاحية أمام الغرفة الإدارية لمجلس قضاء تلمسان يتضح أنه لم يتم إشهارها طبقا للمادة 85 من المرسوم رقم 76/63. و بما أن القضية تتعلق بإبطال حقوق عينية ثابتة بعقود مشهرة و عليه يتعين عدم قبول دعوى المستأنف شكلا }.
و هناك قرارات كثيرة لمجلس الدولة تصب جميعها في خانة عدم قبول الدعوى لعدم احترام الشهر.
...
تابـــــــــــــــع....